• ٥ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وظائف الجلد الحيوية

وظائف الجلد الحيوية

يحتل الجلد مركزاً مهماً في حياة الإنسان وتاريخ البشرية، فبسببه جرى تصنيف الناس ومعاملتهم بطرق مختلفة، وصلت إلى حدّ الاسترقاق والاستعباد الجائر والمطاردة العنصرية، ثمّ الاضطهاد والقتل مما يندى له الجبين.

ولم ينصف الإنسان في تاريخه بناءً على لونه أو عرقه أو جنسه إلا الإسلام الذي اعتبر أنّ التقوى هي ميزان التفاضل الوحيد المستحق للاعتبار.

وللجلد ميزات فريدة حقاً، فهو العنصر الأثقل بعد العظام في الإنسان، إذ يبلغ وزنه الإجمالي حوالي عشرة كيلو جرامات في الإنسان البالغ، وكذلك هو العنصر الأوسع انتشاراً إذ يغطي مساحة تبلغ مائة وسبعين سنتيمتراً مربعاً في الإنسان البالغ، ولهذا أهمية كبيرة في حالات فقدان السوائل والجفاف والحروق والالتهابات الحادة والمزمنة، وبالأخص عندما يكون المريض طفلاً أو تكون المساحة المصابة واسعة.

وللجلد أهمية خاصة من الناحية الجمالية والمظهر الخارجي للإنسان، ولعل هذا الأمر قد استغل أبشع استغلال من رواد الحضارة المادية وأصحاب مصانع ما يسمى "مستحضرات التجميل" والتي تهدر ملايين الدنانير سنوياً لهذا الغرض.

 

ومن أهم وظائف الجلد صدّ المؤثرات الخارجية عن الجسم وأعضائه الداخلية، فالجلد يتكون من مجموعة من الطبقات بعضها فوق بعض مؤلفة غطاءً كثيفاً يحول دون العوامل الممرضة من أن تنفذ إلى الجبهة الداخلية، وبذا يعتبر الجلد – بحقّ – خط الدفاع الأوّل والأهم لجسم الإنسان، وقد حباه الله تعالى بإمكانات تجعله كفئاً لهذه المهمة الخطرة.

فهو حاجز منيع في الاتجاهين الداخلي والخارجي، وله القدرة على حماية الإنسان من الإشعاعات المميتة والمواد الكيماوية السامّة والصدمات الفيزيائية بفعل المادة الفردية (الإسفنجية) والألياف التي يحتويها والتي تعمل كنوابض ماصّة للصّدمات ثمّ تعيد الجلد إلى حالته الأولى بعد زوال المؤثر.

وفي الجلد تتركز المستقبلات العصبية لكافة المؤثرات الخارجية من ألم وحرارة وبرودة وضغط وحفظ لتوازن الجسم والتعرف على البيئة وخصائصها وطريقة التعامل مع كلّ طارئ، وبالتالي القدرة على التعبير عن الذات بطريقة خاصة لكلّ شخص.

ويعتبر الجلد مستودعاً للدم لغناه بالأوعية الدموية، وإذا حدث طارئ واحتاج الجسم بأعضائه الحيوية للدم مثل المخ والكليتين تقدم الجلد بكلّ زهد وتواضع وتخلى عن تسعين بالمئة من حصته من الدم لتعطي للمستحقين حتى يأذن الله بالفرج.

والجلد هو العضو الأكثر إحساساً بالألم ولا يوجد عضو آخر له هذه الميزة حتى الدماغ، ولهذا قال الله تعالى في الأشقياء: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) (النساء/ 56).

وللجلد قدرات تميزه عن جلد باقي الكائنات الحية مثل انقباض الأوعية الدموية وتوسعها، وإفراز مادة العرق والتي بها يستطيع الإنسان ضبط حرارة جسمه تبعاً للمحيط.

ومن قدرات الجلد الوظيفة الاستقلابية مثل إنتاج الفيتامين "فيتامين د" والتنفس، وهو تناول الأكسجين وطرح ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الجو، ولا يستطيع عضو آخر فعل ذلك، كما أنّ من وظائفه المهمة الوظيفة المناعية، حيث يحتوي الجلد على خلايا كبيرة لها زوائد وأطراف تمتد لتلتقي مع بعضها البعض مكونة شبكة كاملة كالأسلاك الشائكة أمام الأجسام الغريبة المتسللة، فإذا ما وصل أحدها تم التعرف عليه وأخبر جهاز المناعة بذلك فتصنع له أجسام مضادة تقضي عليه وعلى أمثاله.

يعوّل الأطباء عموماً وأطباء الأمراض الداخلية خصوصاً على الجلد ويعتبرونه (الشاشة أو المرآة) التي تنعكس عليها حالة الجسم ويمكن تشخيص أعداد كبيرة من الأمراض عن طريق الجلد مثل السرطانات الداخلية والسكري والسل وأمراض الكبد والكلى وغيرها.

وأما أهل الفراسة فلهم منحىً آخر إذ يترجمون أحاسيس الناس وانفعالاتهم وشخصيتهم الكامنة وراء الضلوع عن طريق تقاطيع الوجه وقسماته فكأنّ الجلد ناطق بلا لسان ومتكلّم بلا بيان.

 

الجلد والتجارة والمال:

يعتبر الجلد منجم ذهب بالنسبة لأصحاب صناعات مواد التجميل ومستحضراته، ويقع ملايين الناس ضحايا لهذا الصناعات التي لا تغيّر كثيراً من الواقع إن لم يكن نحو الأردأ.

ذلك أنّ همّ هؤلاء التجار والصناع هو كسب المال فقط غير عابئين بما قد يؤدي استعمال موادهم التجميلية لمضاعفات خطرة مثل سرطنة الجلد أو أعضاء أخرى وتحسس الجلد أو تسمم الجسم بالمواد الكيماوية الضارة، هذا إلى جانب إدخال مواد محرّمة في عرف الإسلام من دهنيات خنزيرية وغيرها.

وقد غاب عن بال الكثيرين أنّ أفضل مستحضرات تجميلي في الوجود هو الماء، حيث يبقي أن يعيد نضارته وحيويته وليونته، وهنا نستطيع أن نتبين نعمة الله على عباده بالوضوء.

ولو وعى الناس هذه الحقائق لآلوا على أنفسهم أن لا يكونوا حقل تجارب وأبحاث ومصدر ثراء فاحش لأصحاب تلكم الصناعات.

 

الكاتب: د. زياد التميمي/  أخصائي الأطفال بمستشفى الرس – السعودية

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1255 لسنة 1997م

ارسال التعليق

Top